الرضاعة الطبيعية هي عملية أساسية في حياة الأم وطفلها، فهي لا تقتصر على كونها وسيلة لتغذية الرضيع، بل هي رابطة عاطفية قوية تجمع بين الأم ووليدها، وتؤثر بشكل مباشر على صحتهما الجسدية والنفسية. في هذا المقال، سنتناول الرضاعة الطبيعية من جوانبها المختلفة، مع التركيز على فوائدها، وأهميتها، وأفضل الممارسات، وكيف تساهم في بناء مجتمع صحي وسليم
ما هي الرضاعة الطبيعية؟
الرضاعة الطبيعية هي عملية تغذية الطفل بحليب الأم مباشرة من الثدي، وتُعرف أيضًا بمصطلحي الإرضاع أو الإرضاع الصدري. ويُعد اختيار الأم للرضاعة الطبيعية قرارًا شخصيًا، وغالبًا ما يكون موضوعًا للنقاش وإبداء الآراء من قِبل العائلة والأصدقاء.
يؤكد العديد من الأطباء والخبراء، مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) والكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد، على أهمية الرضاعة الطبيعية الحصرية لمدة أول ستة أشهر من حياة الطفل، أي من دون إضافة الحليب الصناعي أو الماء أو العصائر، وبعد بدء إدخال الأطعمة الصلبة، يُوصى بالاستمرار في الرضاعة الطبيعية حتى إتمام الطفل عامه الأول.
فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل
1. تقوية الجهاز المناعي:
يحتوي حليب الأم على الأجسام المضادة التي تحمي الطفل من العدوى والأمراض مثل نزلات البرد، والتهابات الأذن، والتهابات الجهاز الهضمي، والالتهابات التنفسية.
2. النمو السليم:
الرضاعة الطبيعية توفر للرضيع جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها في الأشهر الأولى من حياته، مثل البروتينات، والدهون، والفيتامينات والمعادن، بنسب دقيقة ومناسبة لنموه.
أهمية الرضاعة الطبيعية من الناحية النفسية
لا تقتصر أهمية الرضاعة الطبيعية على الجوانب الجسدية فقط، بل تشمل أيضًا الجوانب النفسية، لكل من الأم والطفل:
تشعر الأم بالرضا والإنجاز عند تلبية حاجات طفلها بنفسها.
تساعد الطفل على الشعور بالأمان والاستقرار.
تقلل من احتمالية الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات.
تخلق رابطة حب وتفاهم بين الأم ورضيعها يصعب تحقيقها عبر الرضاعة الصناعية.
مكونات حليب الأم
يتغير حليب الأم في تركيبه ليتلاءم مع احتياجات الطفل في كل مرحلة:
اللبأ (Colostrum): أول سائل يخرج من الثدي بعد الولادة، غني جدًا بالأجسام المضادة والبروتينات.
الحليب الانتقالي: يظهر بعد أيام من الولادة ويحتوي على دهون أكثر.
الحليب الناضج: يظهر بعد الأسبوع الثاني ويستمر طوال فترة الرضاعة.
الفرق بين الرضاعة الطبيعية والرضاعة الصناعية
تختلف الرضاعة الطبيعية عن الرضاعة الصناعية من عدة جوانب أساسية تخص صحة الطفل والأم. فحليب الأم يحتوي على أجسام مضادة ومغذيات متجددة تدعم مناعة الرضيع وتحميه من الأمراض مثل التهابات الجهاز التنفسي والهضمي، كما يتميز بسهولة الهضم وتقليل مشاكل المغص والإمساك.
بينما الحليب الصناعي يفتقر لهذه المكونات ويظل ثابتًا في تركيبته. كذلك تسهم الرضاعة الطبيعية في تقوية الرابط العاطفي بين الأم وطفلها من خلال التواصل الجسدي، إضافة إلى فوائدها الصحية للأم مثل تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض والمساعدة في فقدان الوزن بعد الولادة.
ومن ناحية أخرى، فإن الرضاعة الطبيعية متاحة دائمًا ولا تتطلب تحضيرًا أو تكلفة، بخلاف الرضاعة الصناعية التي تحتاج إلى شراء مستمر للحليب والأدوات وتعقيمها. وبذلك تبقى الرضاعة الطبيعية الخيار الأمثل لصحة الأم والطفل، في حين تُستخدم الرضاعة الصناعية فقط عند وجود عوائق تحول دون الطبيعية.
فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل:
1. الوقاية من الأمراض المزمنة
تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين رُضعوا طبيعيًا لديهم فرص أقل للإصابة بـ:
- السمنة في مراحل الطفولة والبلوغ.
- السكري من النوع الأول والثاني.
- أمراض القلب والشرايين.
- الحساسية والربو.
2.التطور العقلي والإدراكي
أظهرت الأبحاث أن الرضع الذين يتغذون على حليب الأم يتمتعون بمعدلات ذكاء أعلى، خاصة إذا استمرت الرضاعة لأكثر من ستة أشهر.
5. الترابط العاطفي
الرضاعة الطبيعية تساهم في تعزيز العلاقة بين الأم وطفلها من خلال التلامس الجسدي، والتواصل البصري، والشعور بالأمان.
فوائد الرضاعة الطبيعية للأم
1. تقليل خطر الإصابة بالأمراض:
- تقلل من خطر سرطان الثدي وسرطان المبيض.
- تقلل من فرص الإصابة بهشاشة العظام.
- تقلل من الإصابة بالسكري النوع الثاني لدى النساء.
2. المساعدة في فقدان الوزن.
تُساعد الرضاعة الطبيعية على حرق السعرات الحرارية، مما يساهم في عودة الأم إلى وزنها الطبيعي بعد الولادة.
3. تقليل النزيف بعد الولادة
عند الرضاعة، يفرز جسم الأم هرمون “الأوكسيتوسين” الذي يساعد على انقباض الرحم وعودته إلى حجمه الطبيعي، وتقليل خطر النزيف.
4. تنظيم الفترات بين الحمل
الرضاعة الطبيعية تؤخر عودة الدورة الشهرية، مما يساهم بشكل طبيعي في تنظيم الحمل، وإن لم تكن وسيلة مانعة موثوقة بنسبة 100%.
متى يجب اللجوء إلى الرضاعة الصناعية؟
رغم أن الرضاعة الطبيعية هي الأفضل، إلا أن هناك حالات قد تستدعي اللجوء للرضاعة الصناعية كليًا أو جزئيًا، مثل:
- إصابة الأم بأمراض معدية خطيرة (مثل الإيدز النشط).
- تناول الأم لأدوية تؤثر على الطفل.
- عدم كفاية الحليب رغم المحاولات.
- وجود تشوهات خلقية في فم الطفل تعيق الرضاعة.
- في هذه الحالات، يجب استشارة الطبيب لاختيار البديل المناسب.
دعم المجتمع للرضاعة الطبيعية
لنجاح الرضاعة الطبيعية، تحتاج الأم إلى:
- دعم الزوج والعائلة نفسيًا وعمليًا.
- تسهيلات في أماكن العمل مثل فترات رضاعة وغرف مخصصة.
- حملات توعية في المستشفيات والمراكز الصحية.
ما يجب تناوله أثناء الرضاعة الطبيعية
لقد اعتنيتِ بنفسكِ أثناء الحمل، بتناول أطعمة صحية وتناول فيتامينات ما قبل الولادة. ولكن بعد الولادة، من المهم بنفس القدر الحفاظ على هذه العادات الجيدة
خلال فترة الرضاعة، تحتاج الأم إلى نظام غذائي متوازن يدعم صحتها وإنتاج الحليب. يُنصح بتناول:
البروتينات: مثل اللحوم الخالية من الدهون، الدجاج، الأسماك منخفضة الزئبق، البيض، البقوليات، والمكسرات لدعم بناء الأنسجة وإمداد الحليب بالبروتين.
الحبوب الكاملة: مثل الشوفان والأرز البني والخبز الأسمر لتوفير الطاقة والألياف.
الخضروات والفواكه: خاصة الورقية والملونة لاحتوائها على الفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة.
منتجات الألبان: كاللبن والجبن قليل الدسم لتوفير الكالسيوم وفيتامين D.
السوائل: خصوصًا الماء والعصائر الطبيعية لتعويض السوائل المفقودة وزيادة إنتاج الحليب.
الأطعمة التي يجب تجنبها أو الحد منها
الكافيين: كالقهوة والشاي والمشروبات الغازية بكميات كبيرة، لأنه قد يسبب تهيجًا أو اضطراب نوم للرضيع.
الأسماك عالية الزئبق: مثل التونة الكبيرة وسمك القرش وأبو سيف لأنها قد تؤثر على نمو الجهاز العصبي للطفل.
الأطعمة الحارة أو كثيرة التوابل: لأنها قد تسبب انزعاجًا أو مغصًا لبعض الأطفال.
الكحول: يجب تجنبه تمامًا لأنه ينتقل عبر الحليب ويؤثر سلبًا على نمو الرضيع.
الأطعمة المصنعة: كالوجبات السريعة الغنية بالدهون المهدرجة والسكريات لأنها تقلل القيمة الغذائية للحليب.
الفرق بين الرضاعة والمص
من المهم ملاحظة الاختلافات المميزة بين الرضاعة من الثدي والرضاعة من الحلمة الاصطناعية. الرضاعة من الثدي هي عملية نشطة تنطوي على مشاركة كل من الأم وطفلها. على النقيض من ذلك، فإن الرضاعة بالزجاجة هي نشاط أكثر سلبية ينتج عنه خلق فراغ جزئي في فم الرضيع من خلال المص. الحلمة الاصطناعية التي يتم إدخالها في فم الرضيع لها تحفيز فموي / لمسي مميز.
عندما يمص الرضيع حلمة اصطناعية، تملأ الحلمة فمه وتمنع حركة اللسان التمعجية التي تحدث مع الرضاعة من الثدي. يتدفق الحليب من الحلمة الاصطناعية إلى الفم دون حركة اللسان؛ يحدث التدفق من الحلمة المطاطية حتى لو لم تكن شفتي الطفل مغلقة حول الحلمة. بسبب هذه الاختلافات، يكون الرضيع أكثر عرضة لنوبة عدم تشبع أثناء الرضاعة بالزجاجة منه أثناء الرضاعة الطبيعية.
خاتمة
الرضاعة الطبيعية ليست مجرد تغذية، بل هي أسلوب حياة، وبوابة لبناء جيل صحي وسليم، وجسر من الحنان بين الأم وطفلها. ورغم التحديات التي قد تواجه بعض الأمهات، فإن الصبر، والمعرفة، والدعم قادرون على تحويل هذه التجربة إلى رحلة رائعة مليئة بالحب والفخر.
References
2.https://emedicine.medscape.com/article/979458-overview
3.https://www.webmd.com/parenting/baby/nursing-basics
4.https://health.clevelandclinic.org/breastfeeding-diet
5.https://www.who.int/health-topics/breastfeeding
GIPHY App Key not set. Please check settings