لم تعد الصحة تقاس فقط بغياب المرض، بل أصبحت مرتبطة بجودة الحياة الجسدية والنفسية معا، ولذلك أصبح الغذاء المضاد للالتهابات من أهم الأبحاث الطبية التي سُلط الضوء عليها. تصدر مؤخراََ مفهوم “ميكروبيوم الأمعاء” محركات البحث الطبية، وهو عالم متكامل من البكتريا والكائنات الدقيقة التي تعيش داخل جهازنا الهضمي. المفاجأة أن هذا العالم الصغير له دور ضخم في التحكم في الالتهابات المزمنة، التي تعد السبب الخفي وراء الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، بل وحتى الصحة النفسية كالقلق والاكتئاب.
وسط هذا المشهد برز مفهوم الغذاء المضاد للالتهابات كإستراتيجية علاجية ووقائية في الوقت نفسه، يجمع بين تعزيز التغذية العلاجية وصحة الأمعاء ودعم الصحة النفسية.

ما هو ميكروبيوم الأمعاء؟
ميكروبيوم الأمعاء هو مجموعة هائلة من البكتريا النافعة و الضارة، والفيروسات والفطريات التي تعيش في أمعائنا.
هذا التنوع الميكروبي يساهم في وظائف حيوية عديدة مثل:
- هضم الألياف وإنتاج أحماض دهنية قصيرة السلسلة تدعم المناعة.
- تصنيع بعض الفيتامينات الهامة.
- حماية الأمعاء من غزو الميكروبات الضارة.
عندما يختل هذا التوازن، تبدأ سلسلة من المشكلات أبرزها الالتهابات المزمنة.
الالتهابات الصامتة والأمراض المزمنة
الالتهاب في الأصل هو استجابة دفاعية طبيعية، لكنه عندما يتحول إلى التهاب مزمن منخفض الدرجة يصبح سبباََ رئيسياََ في الأمراض المزمنة.
الدراسات الحديثة أثبتت أن هذا النوع من الالتهابات يرتبط بشكل مباشر ب
- مقاومة الإنسولين والسكري من النوع الثاني.
- تصلب الشرايين وأمراض القلب.
- السمنة واضطرابات التمثيل الغذائي.
الميكروبيوم غير المتوازن يلعب دوراََ محورياََ في تنشيط هذه الالتهابات عبر إفراز مواد سامة تدخل مجرى الدم وتؤدي إلى استجابة التهابية.
محور الأمعاء-الدماغ والصحة النفسية
العلاقة بين الأمعاء والدماغ تعرف بمحور الأمعاء-الدماغ. هذا المحور يتواصل عبر العصب الحائر والهرمونات والنواقل العصبية.
- حوالي 90% من مادة السيروتونين، هرمون السعادة، يتم إنتاجها في الأمعاء. وعندما يحدث خلل في ميكروبيوم الأمعاء، يقل إنتاج هذه المادة، مما ينعكس على الصحة النفسية والمزاج والنوم.
أظهرت أبحاث سريرية أن تناول البروبيوتك مثل الزبادي والمخللات والكيمتشي يساعد في تقليل أعراض القلق والاكتئاب. بينما النظام الغذائي الغني بالدهون المشبعة والسكريات يفاقم التوتر النفسي عبر تنشيط الالتهابات المزمنة.
النظام الغذائي المضاد للالتهابات
الغذاء المضاد للالتهابات ليس مجرد حمية عابرة، بل أسلوب حياة يعتمد على تقليل الأطعمة المسببة للالتهابات وزيادة الأغذية الغنية بمضادات الأكسدة.
أطعمة ينصح بها:
- الخضروات الورقية.
- الفواكه الغنية بالبوليفينولات مثل التوت والرمان.
- الأسماك الدهنية (مصدر للأحماض أوميغا 3).
- المكسرات والبذور.
- زيت الزيتون البكر.
أطعمة يجب التقليل منها
- السكريات المكررة.
- الزيوت المهدرجة والمقلية.
- الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة.
اقرأ أيضا: تعرف على الزنجبيل وفوائده، وأضراره، و7 من أنواعه
كيف ندعم الميكروبيوم عبر الأغذية المضادة للالتهابات.
العلاقة بين النظام الغذائي المضاد للالتهابات وميكربيوم الأمعاء تكاملية:
البريبيوتك: وهي ( الألياف الغذائية ) تعتبر غذاء للبكتيريا النافعة.
البروبيوتك: مصادر مباشرة للبكتيريا النافعة.
الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة: تقلل من نمو البكتريا الضارة ويخفض الالتهابات.
بالتالي، عندما نتبع التغذية العلاجية عبر نظام مضاد للالتهابات، نحن لا نحمي أعضاءنا فقط، بل نعيد توازن الميكربيوم، مما يحسن الصحة النفسية ويقلل من خطر الأمراض المزمنة.
اقرأ أيضا: الاكل الصحي والتغذية الصحية لحياة متوازنة
دور الهيلث كوتشنج في تبني النظام الغذائي المضاد للالتهابات
اتباع النظام الغذائي المضاد للالتهابات يحتاج أكثر من مجرد معرفة قائمة بالأطعمة المسموح والممنوع، لأنه في النهاية يعتمد على تغيير سلوكيات عميقة في حياة الإنسان اليومية. هنا يبرز دور الهيلث كوتشنج وهو تخصص يدمج بين المعرفة الطبية والدعم النفسي والسلوكي لمساعدة الأفراد على تحقيق أهدافهم الصحية.
1- التحفيز ووضع الأهداف
الكوتش (المدرب الصحي) لا يفرض نظام غذائي صارم بل يعمل مع الشخص على تحديد أهداف واقعية تناسب حياته مثل:
- تقليل تناول السكر تدريجيا بدلا من الامتناع المفاجئ.
- إدخال وجبة غنية البروبيوتيك مرة يوميا كخطوة أولى.
- تحسين جودة النوم كجزء من خطة تقليل الالتهابات.
2- الدعم النفسي والسلوكي
غالبا ما يفشل الناس في الالتزام بالانظمة الصحية بسبب التوتر، وضغوط العمل، أو ضعف الإرادة. دور الكوتش هنا هو تقديم استراتيجيات عملية للتغلب على هذه العقبات مثل:
- تدريبات اليقظة الذهنية mindfulness وتقليل الأكل العاطفي.
- اقتراح بدائل صحية للوجبات السريعة.
- متابعة التقدم أسبوعيا لزيادة الدافعية.
3- التخصيص الشخصي
كل شخص مختلف، ما يناسب مريض سكري قد لا يناسب شخصا يعاني من اكتئاب أو مرض مناعي. الكوتشنج يدمج بين:
- الحالة الطبية(مقاومة الانسولين-القولون العصبي).
- تفضيلات الشخص الغذائية (مثل الأطعمة المفضلة والمرفوضة).
- أسلوب حياته (دوام عمل طويل، أوسفر متكرر، أو حياة أسرية مزدحمة).
بهذا التخصيص، يصبح النظام المضاد للالتهاب أسلوب حياة فردي وليس مجرد نسخة جاهزة.
4- الدمج بين العقل والجسم
الهيلث كوتشنج يتعامل مع الصحة ككل بشكل متكامل مثلا:
- ضبط الصحة النفسية عبر تقنيات إدارة التوتر يقلل من الالتهابات.
- تحسين النشاط البدني اليومي (المشي- اليوغا) يعزز توازن الميكربيوم.
- دعم الالتزام بالبريوتيك وأوميغا 3 عبر اقتراح وصفات عملية يساعد في التقليل من الالتهابات.
5- النتائج طويلة المدى
الفارق بين النصائح الطبية التقليدية والهيلث كوتشنج هو الاستمرارية. الكوتش يساعد الشخص على بناء عادات صغيرة لكنها دائمة مثل:
- شرب ماء دافئ مع الليمون صباحا كروتين يومي.
- استبدال الحلويات بالفواكه تدريجيا.
- الالتزام بوجبة غنية بالخضار مرة على الأقل يوميا.
الخلاصة
الهيلث كوتشنج هو العنصر الذي يحول النظام الغذائي المضاد للالتهابات من خطة نظرية إلى واقع يومي. إنه الجسر الذي يدعم الفرد نفسيا وسلوكيا لتبني عادات صحية تعزز توازن ميكربيوم الأمعاء وتقلل من خطر الأمراض المزمنة وتحسين الصحة النفسية.
المصادر الخارجية:
1-Anti-Inflammatory Diet: What To Eat (and Avoid)
2-Anti-Inflammatory Diet Coach & Program | Eat Burn Sleep
3-30-Day Anti-Inflammatory Diet Meal Plan to Reduce Inflammation
.
GIPHY App Key not set. Please check settings