يُعد سرطان عنق الرحم واحدًا من أكثر أنواع السرطان شيوعًا بين النساء، وهو يصيب الجزء السفلي من الرحم المتصل بالمهبل والمعروف باسم “عنق الرحم”. في البداية، تنمو بعض الخلايا في تلك المنطقة بصورة غير طبيعية، وتبدأ بالانقسام دون توقف، حتى تتكوَّن أورام صغيرة قد تتطور مع الوقت وتغزو الأنسجة المجاورة إن لم تُكتشف مبكرًا.

اللافت في هذا النوع من السرطان أنه من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بنسبة كبيرة، بفضل الفحوصات الدورية واللقاحات الحديثة. فاختبار مسحة عنق الرحم (Pap Smear) واختبار فيروس الورم الحليمي البشري (HPV Test) يساعدان على كشف أي تغيّر في الخلايا قبل أن يتحول إلى ورم خبيث. كما أن أخذ اللقاح المضاد لفيروس HPV يمنح حماية فعّالة من العدوى المسببة للمرض. ولهذا السبب، يعتبر الوعي الصحي المنتظم والفحص المبكر مفتاح النجاة في أغلب الحالات.
اقرأ أيضًا: الورم الليفي في الرحم، وأعراضه و3 طرق لعلاجه تعرَّف عليها
أسباب سرطان عنق الرحم
السبب الأكثر شيوعًا وراء الإصابة بسرطان عنق الرحم هو فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)، وهو فيروس ينتقل في الغالب عن طريق الاتصال الجنسي. ورغم أن أغلب النساء قد يتعرضن له في مرحلة ما من حياتهن، إلا أن الجهاز المناعي في معظم الأحيان يتمكن من القضاء عليه دون مشاكل. لكن عندما يبقى الفيروس لفترات طويلة داخل الجسم، تبدأ الخلايا في عنق الرحم بالتغيّر تدريجيًا حتى تصبح سرطانية.
وهناك مجموعة من العوامل التي يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بهذا المرض، من أبرزها:
- التدخين: فهو يُضعف جهاز المناعة ويُسهّل استمرار الفيروس داخل الجسم.
- ضعف مناعة الجسم: سواء بسبب أمراض مثل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) أو تناول أدوية مثبطة للمناعة.
- الزواج المبكر أو تعدد الشركاء الجنسيين: مما يزيد فرص التعرض لفيروس HPV.
- الولادات المتكررة: فقد أظهرت دراسات أن كثرة الولادات ترتبط بزيادة التغيرات في خلايا عنق الرحم.
- الإصابة المزمنة بالتهابات عنق الرحم غير المعالجة.
معظم هذه العوامل لا تعني بالضرورة أن الإصابة مؤكدة، لكنها ترفع احتمالات حدوث المرض، لذا فإن الوقاية والالتزام بالفحوص الدورية يظلان الأهم دائمًا.
اقرأ أيضًا: الإيدز وفيروس نقص المناعة البشري
اعراض سرطان عنق الرحم
في الغالب، لا تظهر أي أعراض واضحة في المراحل الأولى، وهو ما يجعل المرض يتطور بصمت لفترة من الزمن. ومع تقدّم الحالة، تبدأ العلامات في الظهور تدريجيًا، ويمكن تقسيمها إلى أعراض مبكرة وأعراض متأخرة تبعًا لمرحلة تطور الورم.
أولًا: الأعراض المبكرة
تكون هذه العلامات خفيفة في البداية وقد تُشبه أعراض الالتهابات البسيطة، مما يجعل كثيرًا من السيدات لا يلتفتن إليها. وتشمل الأعراض المبكرة:
- نزيف مهبلي غير معتاد، يحدث أحيانًا بين الدورات الشهرية أو بعد العلاقة الزوجية أو بعد انقطاع الطمث.
- تغير في طبيعة الإفرازات المهبلية، فتصبح مائية أو مختلطة بالدم أو يصاحبها رائحة غير طبيعية.
- شعور بألم أثناء العلاقة الحميمة بسبب تهيّج أنسجة عنق الرحم.
- اضطرابات في الدورة الشهرية، مثل طول مدة الحيض أو زيادة كميته.
- إحساس بثقل أو ضغط في منطقة الحوض.
رغم أن هذه العلامات لا تؤكد وجود سرطان، إلا أن ظهورها يستدعي مراجعة الطبيب فورًا، فالكشف المبكر يمكن أن يُحدث فرقًا هائلًا في العلاج وفرص الشفاء.
ثانيًا: الأعراض المتأخرة
عندما يتقدم المرض إلى مراحل أكثر خطورة، يبدأ الورم في التأثير على الأنسجة القريبة مثل المثانة أو المستقيم، وقد ينتقل إلى أعضاء أخرى من الجسم. وتصبح الأعراض حينها أكثر وضوحًا وشدة، مثل:
- ألم مستمر في الحوض أو أسفل الظهر.
- تورم الساقين أو الإحساس بثقل فيهما نتيجة ضغط الورم على الأوعية الدموية.
- صعوبة أو ألم أثناء التبول أو الإخراج.
- نزيف مهبلي متكرر أو غزير لا يستجيب للعلاج.
- فقدان الشهية أو انخفاض الوزن بشكل ملحوظ.
- شعور دائم بالإرهاق والضعف العام.
- في هذه المرحلة، غالبًا ما يحتاج العلاج إلى تدخل طبي مكثف يشمل أكثر من وسيلة علاجية.
اقرأ أيضًا: سرطان المريء (Esophageal cancer): وأهم 7 أعراض له
نسبة الشفاء من سرطان عنق الرحم
تختلف نسب الشفاء من امرأة لأخرى، وذلك بحسب مرحلة اكتشاف المرض ونوع العلاج وحالة المريضة الصحية. ولكن تبقى الحقيقة الأهم أن الاكتشاف المبكر يغيّر كل شيء.
في المراحل الأولى، يمكن علاج معظم الحالات بنجاح، وتصل نسب الشفاء إلى ما يقارب 90%. أما في المراحل المتوسطة فتتراوح النسبة بين 60 و80% حسب حجم الورم واستجابة الجسم للعلاج. ومع انتشار السرطان إلى الأنسجة المحيطة، تقل فرص الشفاء إلى نحو 40%، بينما تنخفض لأقل من 20% في المراحل المتقدمة التي يصل فيها الورم إلى أعضاء بعيدة.
ورغم هذه الأرقام، فإن التطور الطبي خلال السنوات الأخيرة خاصة في مجال العلاج المناعي والموجّه ساعد في تحسين النتائج وزيادة فترات البقاء على قيد الحياة حتى للحالات المتقدمة. والأهم من كل ذلك أن الفحص الدوري والاهتمام بالوقاية يمكن أن يمنعا الوصول لتلك المراحل.
علاج سرطان عنق الرحم
يعتمد علاج سرطان عنق الرحم على مرحلة الورم وحالة المريضة العامة بالإضافة إلى رغبتها في الحفاظ على القدرة على الإنجاب. وتتنوع طرق العلاج لتشمل الجراحة والعلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي والعلاجات الحديثة مثل العلاج المناعي والموجَّه.
1. الجراحة:
في المراحل المبكرة من المرض، يمكن إزالة الجزء المصاب فقط من عنق الرحم فيما يُعرف بعملية استئصال مخروطي (Conization)، وهي مناسبة عندما يكون الورم صغيرًا ومحدودًا.
أما في الحالات الأكثر تقدمًا، فقد يلجأ الطبيب إلى استئصال الرحم بالكامل، مع إزالة الأنسجة المحيطة والعقد اللمفاوية القريبة لضمان التخلص من الخلايا السرطانية بشكل كامل.
2. العلاج الإشعاعي:
يُستخدم العلاج الإشعاعي لتدمير الخلايا السرطانية وتقليل حجم الورم. وغالبًا ما يُدمج مع العلاج الكيميائي لزيادة فعاليته، خاصة في المراحل المتوسطة من المرض. ويمكن أن يُعطى الإشعاع من خارج الجسم (إشعاع خارجي) أو من داخل المهبل باستخدام أنبوب صغير يحتوي على مادة مشعة (إشعاع داخلي أو موضعي).
3. العلاج الكيميائي:
يُستخدم العلاج الكيميائي لقتل الخلايا السرطانية التي انتشرت خارج منطقة عنق الرحم أو للحد من نمو الورم. وتُعطى الأدوية عادة عن طريق الوريد على فترات محددة في شكل جلسات علاجية يقررها الطبيب حسب الحالة. وغالبًا ما يتم الجمع بين العلاج الكيميائي والإشعاعي لتحسين الاستجابة.
4. العلاجات الموجهة والمناعية:
تُعد هذه من أحدث الطرق العلاجية، حيث تستهدف الخلايا السرطانية بدقة دون الإضرار بالخلايا السليمة.
من أمثلة الأدوية المستخدمة:
بيفاسيزوماب (Bevacizumab): يعمل على منع تكوين الأوعية الدموية التي تغذي الورم، مما يحد من نموه، مثل دواء أفاستين (Avastin).
بيمبروليزوماب (Pembrolizumab): يساعد جهاز المناعة على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها بشكل فعال، مثل دواء كيترودا (Keytruda).
اقرأ أيضًا: جهاز المناعة و5 طرق لتعزيزه
تطعيم سرطان عنق الرحم
تطعيم فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) يساعد على الوقاية من سرطان عنق الرحم قبل حدوثه. يعمل اللقاح على حماية الجسم من الفيروس الذي يسبب أغلب حالات المرض. يُنصح بإعطائه للفتيات في سن صغيرة، عادة من 9 إلى 14 سنة، لأن فاعليته تكون أعلى قبل بدء أي نشاط جنسي. أثبتت الدراسات أنه يقلل خطر العدوى وتكوّن الخلايا غير الطبيعية في عنق الرحم. التطعيم آمن ومعتمد من منظمات طبية موثوقة مثل منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض الأمريكية (CDC).

المصادر
1:https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/cervical-cancer/symptoms-causes/syc-20352501
2:https://medlineplus.gov/cervicalcancerscreening.html
3:https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/12216-cervical-cancer
4:https://www.healthline.com/health/cervical-cancer
5:https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/cervical-cancer/diagnosis-treatment/drc-20352506
6:https://www.cancer.gov/types/cervical/treatment
7:https://www.cancerresearchuk.org/about-cancer/cervical-cancer/survival
8:https://medlineplus.gov/ency/article/007436.htm
GIPHY App Key not set. Please check settings