في كل مرة ينظر فيها المصاب بمرض البهاق إلى بشرته، يواجه انعكاسًا لتغير لا يمكن تجاهله، فهو لا يرى تغيرًا في اللون فقط، ولكن أيضًا في نظرة المجتمع وأثرها النفسي.
البهاق ليس مرضًا جلديًا فحسب، بل هو اضطراب جلدي مناعي مزمن يحدث نتيجة خلل في جهاز المناعة يجعله يهاجم الخلايا الصبغية، مسببًا ظهور بقع بيضاء واضحة على الجلد قد تتسع أو تظل ثابتة.
خلال هذا المقال سنتعرف على الأسباب الحقيقة لظهوره، وأنواعه المختلفة، وطرق علاجه الحديثة المعتمدة طبيًا، وكيفية التعايش معه بثقة ووعي.

التعريف العلمي لمرض البهاق
مرض البهاق هو اضطراب جلدي يفقد فيه الجلد لونه الطبيعي نتيجة تدمير أو توقف عمل الخلايا الصبغية، وهي الخلايا المسؤولة عن إنتاج مادة الميلانين التي تعطي البشرة لونها.
في أغلب الحالات، يعد الجهاز المناعي هو المسؤول عن هذه العملية حيث يهاجم الخلايا الصبغية عن طريق الخطأ، مما يؤدي إلى ظهور بقع بيضاء في أي مكان بالجسم، لكنها تلاحظ غالبًا في الوجه، واليدين، والركبتين.
ويختلف نمط تطوره وسرعة انتشاره من شخص لآخر وبرغم عدم خطورة هذه الحالة إلا أنها تؤثر على الحياة بطريقة سلبية.
اقرأ أيضًا: الجهاز المناعي وتدمير الجراثيم و 7 طرق لتعزيز المناعة
أسباب مرض البهاق
لم يحدد سبب واحد قاطع للإصابة بمرض البهاق، لكن الأبحاث العلمية الحديثة تشير إلى مجموعة من العوامل، أبرزها:
- اضطراب المناعة الذاتية حيث يهاجم الجهاز المناعي الخلايا الصبغية في الجلد، مما يؤدي إلى توقفها عن إنتاج الميلانين أو تدميرها بالكامل.
- العوامل الوراثية فوجود تاريخ عائلي للإصابة بهذا المرض أو بأحد الأمراض المناعة الذاتية يزيد من احتمالية ظهور الحالة مثل:
- اضطرابات الغدة الدرقية.
- مرض السكري النوع الأول.
- التهاب المفصل الروماتويدي.
- العوامل البيئية المحفزات الخارجية مثل:
- كثرة التعرض لأشعة الشمس.
- إصابة الجلد بالحروق والجروح.
- الضغط النفسي أو الصدمات النفسية.
- ملامسة الجلد لمواد كيميائية.
هذه العوامل لا تسبب الإصابة بمفردها ولكن تحفز من ظهوره أو تسريع انتشاره.
أنواع مرض البهاق
تقسم أنواع مرض البهاق اعتمادًا على نمط توزيع البقع البيضاء في الجسم، وعدد المناطق المصابة، ومدى ثبات الحالة، إلى نوعين رئيسيين:
أولًا: البهاق غير القطعي
وهو النوع الأكثر شيوعًا ويسمى بالعام، يظهر بشكل متماثل جزئيًا على جانبي الجسم، وقد يتطور تدريجيًا بمرور الوقت.
تندرج تحته عدة أنماط فرعية:
- المنتشر حيث تظهر البقع البيضاء في أماكن متفرقة من الجسم وعلى الجانبين بشكل متماثل.
- الطرفي يصيب أطراف الجسم مثل الاصابع، حول الفم، العينين أو الشفاه.
- البؤري يتمثل في بقعة واحدة أو بقع قليلة محددة في منطقة معينة من الجسم، دون انتشار متماثل.
- البهاق المخاطي توجد البقع حول الأغشية المخاطية للفم أو الغشاء المخاطي للأعضاء التناسلية.
- البهاق العالمي أو الشامل نوع نادر جدًا يفقد فيه الجلد معظم لونه الطبيعي، ويغطي أكثر من 80٪ من مساحة الجسم.
ثانيًا: البهاق القطعي
يظهر في جهة واحدة من الجسم أو في جزء محدد منه، وغالبًا ما يكون أكثر استقرارًا.
يبدأ هذا النوع في سن مبكرة، ويتوقف انتشاره بسرعة مقارنة بالنوع غير القطعي.
من المهم تشخيص النوع بدقة، لأن ذلك يؤثر على خطة العلاج ومدى الاستجابة له.
هل مرض البهاق معدي
رغم الانتشار الواسع لمرض البهاق حول العالم، لا تزال بعض المفاهيم الخاطئة مرتبطة به، خاصة فكرة العدوى، بينما تؤكد الحقائق العلمية أنه ليس مرضًا معديًا على الإطلاق، ولا ينتقل البهاق من شخص لآخر عبر:
– اللمس.
– المصافحة.
– مشاركة الأدوات.
– التعايش أو المخالطة اليومية.
ولا توجد أي دلائل علمية تشير إلى إمكانية انتقاله بأي وسيلة من وسائل العدوى المعروفة مثل:
– البكتيريا.
– الفيروسات.
– الفطريات.
البهاق ناتج عن اضطراب داخلي في الجهاز المناعي يجعل الجسم يهاجم خلاياه الصبغية.
وبالتالي، فإن الإصابة به ترتبط بعوامل مناعية وجينية، وليس بعوامل خارجية تُنقل من شخص لآخر.
اقرأ أيضاً: الأمراض المعدية Infectious diseases
طرق تشخيص مرض البهاق
تشخيص مرض البهاق عادةً لا يتطلب فحوصات معقدة، بل يبدأ بالفحص السريري من قبل طبيب الجلدية، ويعتمد على ملاحظة شكل البقع وتوزيعها على الجسم.
لكن في بعض الحالات، قد تُستخدم أدوات وفحوصات إضافية لتأكيد التشخيص وأهم طرق التشخيص، تشمل:
- الفحص السريري المباشر حيث يقوم الطبيب بمراقبة البقع البيضاء من حيث:
– الشكل.
– أماكن الظهور.
– مدى التماثل بين الجانبين.
- فحص الجلد بضوء وود (Wood’s Lamp) ويستخدم هذا الضوء البنفسجي للكشف عن غياب الميلانين في الجلد، حيث تُضيء المناطق المصابة بلون أبيض مائل للأزرق تحت الإضاءة الخاصة.
- تحاليل الدم (في بعض الحالات) لا تُستخدم دائمًا، لكنها قد تُطلب عند الاشتباه بوجود أمراض مناعية مرافقة مثل:
– اضطرابات الغدة الدرقية (مثل TSH, T4).
– السكري من النوع الأول.
اقرأ أيضًا: الغدة الدرقية، واضطراباتها، و7 تحاليل لتحقيق التوازن الهرموني
- خزعة جلدية (نادرًا)
تجرى فقط إذا كان هناك شك في تشخيص آخر، وتُظهر غياب الخلايا الميلانينية في الجلد.
من المهم التفريق بين البهاق وأمراض أخرى تُسبب تغير لون الجلد مثل:
– التينيا المبرقشة.
– النخالية البيضاء.
– المهقُ (البرص).
لذلك يُفضل دائمًا استشارة طبيب مختص لتأكيد التشخيص ووضع خطة علاج مناسبة.
علاج مرض البهاق
لا يوجد حتى الآن علاج نهائي لمرض البهاق، لكن توجد عدة طرق تساعد على:
– استعادة لون الجلد الطبيعي قدر الإمكان.
– إبطاء انتشار البقع البيضاء.
– تحسين مظهر البشرة.
– تقليل الأثر النفسي للمرض.
ويتم اختيار العلاج المناسب بناءً على عمر المصاب، نوع البهاق، أماكن ظهوره، مدى انتشاره.
أولًا: الكريمات الموضعية
– تُستخدم على الجلد المصاب لتحفيز إعادة التصبغ وتقليل الالتهاب.
– من أشهرها:
- الكورتيكوستيرويدات تُستخدم لفترات قصيرة وتحت إشراف طبي.
- مثبطات الكالسينيورين تستخدم لتقليل نشاط جهاز المناعة ومنع مهاجمته للخلايا الصبغية.
- كالسيبوترين يحفز الخلايا الصبغية على إنتاج الميلانين خاصًة عند استخدامه مع الكورتيكوستيرويد
ثانيًا: العلاج بالضوء
– يتم فيه تعريض الجلد لأشعة فوق بنفسجية لفترة زمنية محددة.
– يتم العلاج داخل مراكز طبية متخصصة وتحت إشراف طبيب الجلدية.
– يعد العلاج بالضوء فعالًا في استعادة لون الوجه والرقبة، إلا أن الشفاه، وأطراف الأصابع، وأطراف القدم أقل استجابة للعلاج بالضوء.
ثالثًا: الأدوية الحديثة
– مثل كريم روكسوليتينيب (Ruxolitinib cream) وهو أول علاج موضعي بيولوجي معتمد من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج البهاق.
يعمل على تنظيم الاستجابة المناعية في الجلد.
– يُستخدم في حالات معينة ويحتاج إشرافًا طبيًا دقيقًا.
رابعًا: الجراحة
إذا فشلت العلاجات الأخرى في استعادة لون البشرة، فقد تكون الجراحة من ضمن طرق العلاج ومن أمثلتها:
– زراعة الخلايا الصبغية هي تقنية جراحية تُستخدم في بعض حالات البهاق المستقرة.
يتم فيها أخذ خلايا صبغية (ميلانينية) من منطقة سليمة في الجلد، ثم زراعتها في المنطقة المصابة لتحفيز عودة اللون الطبيعي.
– ترقيع الجلد هو إجراء جراحي يتم فيه نقل جزء صغير من الجلد السليم (الطبيعي في اللون) إلى المنطقة المصابة، وذلك لتحفيز ظهور الصبغة واستعادة اللون.
يُستخدم فقط في الحالات المستقرة، ويحتاج مهارة طبية وتجهيزًا دقيقًا.
خامسًا: الدعم النفسي والتجميلي
– مثل مستحضرات التجميل الخاصة لإخفاء البقع.
– الجلسات النفسية والدعم من الأسرة والمجتمع ضرورية لتحسين الحالة النفسية وتعزيز الثقة بالنفس.
التوعية المجتمعية بمرض البهاق
ينتشر حول مرض البهاق العديد من المفاهيم الخاطئة، مثل كونه مرضًا معديًا أو ناتجًا عن قلة النظافة، وهي معتقدات غير صحيحة تمامًا، تؤثر نفسيًا على المصاب.
لذلك، من المهم أن نُعزز الوعي المجتمعي من خلال:
– تصحيح المعلومات الخاطئة حول المرض.
– نشر ثقافة التقبل والتعاطف لبناء بيئة أكثر وعيًا وتفهمًا تجاه المصابين.
– دعم المرضى نفسيًا واجتماعيًا.
– تأكيد على أن مرض البهاق لا يُنقص من قيمة الفرد أو قدرته.
References
GIPHY App Key not set. Please check settings