in

تقنية كر يسبر والثورة الهندسية الجينية 

تقنية كريسبر
Spread the love

في رحلة البشرية الطويلة لمواجهة الأمراض، 

لم تكن هناك أداة تعد بمثل هذا التغيير الجذري الذي تعد به تقنية كر يسبر. 

هذه الأداة الثورية في الهندسة الوراثية، 

التي غالبًا ما توصف بأنها مقص جزيئي، 

تمنح العلماء القدرة على تعديل الحمض النووي بدقة لم تكن ممكنة من قبل. اليوم، نقف على أعتاب عصر جديد في الطب، عصر يمكن فيه  

علاج الأمراض الوراثية المستعصية من جذورها بدلاً من مجرد التعامل مع أعراضها. 

لكن مع هذا الأمل الكبير، تظهر تحديات أخلاقية، وتقنية عميقة تتطلب نقاشًا

مجتمعيًا واسعًا.

تقنية كر يسبر والثورة الهندسية الجينية

تقنية كر يسبر في عالم البكتيريا

إن فهم تقنية كر يسبر يبدأ من أصلها غير المتوقع في عالم البكتيريا. 

فقد اكتشف العلماء أن البكتيريا تستخدم نظامًا يُعرف باسم CRISPR-Cas9 كآلية دفاعية طبيعية ضد الفيروسات الغازية. يقوم هذا النظام بتخزين أجزاء

 من الحمض النووي للفيروسات المهاجمة، مما يسمح له بالتعرف عليها،

 وقطعها إذا حاولت العدوى مرة أخرى. استلهم العلماء هذه الآلية البسيطة، والفعالة لتطوير أداة تعديل جيني تتكون من جزأين رئيسيين:

 دليل RNA الذي يعمل كمرشد دقيق يوجه النظام إلى تسلسل معين في الجينوم، وإنزيم Cas9 الذي يقوم بدور المقص لقطع الحمض النووي في تلك النقطة المحددة. بعد القطع، يمكن للعلماء إما تعطيل جين معين، 

أو إدخال تسلسل جيني جديد لتصحيح طفرة مسببة للمرض.

اقرأ أيضاً: البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

تقنية كر يسبر والتطبيقات العلاجية

التطبيقات العلاجية لتقنية كر يسبر لم تعد مجرد خيال علمي، بل أصبحت حقيقة ملموسة تغير حياة المرضى. أحد أبرز الأمثلة هو علاج أمراض الدم الوراثية مثل فقر الدم المنجلي، والثلاسيميا. في أواخر عام 2023، شهد العالم لحظة تاريخية بالموافقة على أول علاج قائم على تقنية  كر يسبر،

 والذي يحمل اسم Casgevy. يعمل هذا العلاج عن طريق استخلاص خلايا جذعية من المريض، وتعديلها وراثيًا في المختبر لتصحيح الجين المعيب، ثم إعادة حقنها في الجسم لتبدأ في إنتاج خلايا دم سليمة. هذه الخطوة تمثل أملًا حقيقيًا لملايين المرضى الذين كانوا يعانون من آلام مزمنة، وعمليات نقل دم متكررة.

اقرأ أيضاً: فقر الدم

تقنية كر يسبر وتعديل خلايا المناعة

يمتد الأمل إلى ما هو أبعد من أمراض الدم. في مجال مكافحة السرطان، يتم استخدام  تقنية كر يسبر لتعديل الخلايا المناعية للمريض، والمعروفة باسم الخلايا التائية، لجعلها أكثر قدرة على التعرف على الخلايا السرطانية، وتدميرها.

هذا النهج، المعروف بالعلاج المناعي بالخلايا التائية، يقدم استراتيجية هجومية مخصصة ضد الأورام التي تفشل العلاجات التقليدية في القضاء عليها. 

بالإضافة إلى ذلك، تجري الأبحاث على قدم، وساق لاستخدام تقنية كر يسبر في مواجهة أمراض وراثية مدمرة أخرى. على سبيل المثال، في حالات ضمور العضلات دوشين، وهو مرض يسبب ضعفًا تدريجيًا في العضلات 

ناتج عن طفرة في جين الديستروفين، يعمل العلماء على تطوير علاجات تستهدف تصحيح هذا الجين مباشرة في خلايا العضلات.

كما أن هناك تجارب سريرية واعدة تستهدف مرض هنتنغتون، وهو اضطراب عصبي تنكسي مميت، عن طريق محاولة تعطيل الجين المتحور

الذي يسبب تراكم البروتينات السامة في الدماغ.

اقرأ أيضاً: أمراض المناعة الذاتية

تقنية كريسبر والتحديات

على الرغم من هذه الإمكانيات الهائلة، فإن الطريق أمام العلاج الجيني ليس مفروشًا بالورود. أحد أكبر التحديات التي تواجه تقنية

كر يسبر

هو ما يُعرف بالتأثيرات غير المستهدفة (off-target effects)، حيث يمكن للمقص الجزيئي أن يخطئ هدفه أحيانًا، ويجري تعديلات

في أماكن غير مقصودة من الجينوم، مما قد يؤدي إلى عواقب صحية وخيمة. يعمل العلماء بجد على تطوير نسخ أكثر دقة من نظام كريسبر لتقليل هذه المخاطر إلى الحد الأدنى.

إلى جانب التحديات التقنية، تبرز معضلة أخلاقية أكثر تعقيدًا

تتعلق باستخدام هذه التقنية في تعديل الخلايا الجرثومية، أي الحيوانات المنوية والبويضات والأجنة. مثل هذه التعديلات لن تؤثر على الفرد فقط، بل ستنتقل أيضًا إلى الأجيال القادمة، مما يغير الموروث الجيني للبشرية بشكل دائم. 

وقد تحول هذا الجدل من نقاش نظري إلى حقيقة صادمة في عام 2018، عندما أعلن العالم الصيني هي جيانكوي أنه قام بتعديل أجنة بشرية لجعلها مقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية، مما أدى إلى ولادة أول طفلتين معدلتين وراثيًا في العالم. أثارت هذه التجربة إدانة عالمية واسعة من المجتمع العلمي، 

ليس فقط بسبب المخاطر الصحية غير المعروفة على الطفلتين، ولكن لأنها تجاوزت خطًا أحمر أخلاقيًا متعارفًا عليه. هذا الحادث سلط الضوء على الحاجة الملحة لوضع قوانين دولية صارمة تفرق بوضوح بين استخدام التقنية 

للعلاج الجسدي (Somatic therapy) الذي يؤثر على المريض فقط، والتعديل الوراثي الجرثومي (Germline editing) الذي يؤثر على الأجيال القادمة.

تقنية كر يسبر في المستقبل

بالنظر إلى المستقبل، يبدو أن إمكانيات  تقنية كر يسبر لا حدود لها.

حيث يعمل الباحثون حاليًا على تطوير أنظمة تعديل جيني أكثر تطورًا، 

مثل “التعديل الأولي” (Prime editing)، الذي يسمح بإجراء تعديلات أكثر تعقيدًا ودقة في الحمض النووي دون الحاجة إلى إحداث قطع كامل فيه، 

مما يقلل من مخاطر الأخطاء. في غضون العقدين القادمين، قد لا نرى فقط علاجات لأمراض وراثية نادرة، بل قد تصبح الهندسة الجينية أداة قياسية في الوقاية من أمراض شائعة، ومعقدة مثل أمراض القلب، والسكري، وبعض أنواع السرطان عن طريق تصحيح الاستعداد الوراثي لها قبل ظهورها. 

قد نشهد أيضًا تطورًا في مجال زراعة الأعضاء من خلال تعديل جينات الحيوانات، مثل الخنازير، لجعل أعضائها متوافقة مع جسم الإنسان، 

مما يحل أزمة نقص الأعضاء العالمية.

في الختام، لا يمكن إنكار أن تقنية كر يسبر تمثل واحدة من أهم القفزات العلمية في عصرنا، حاملة معها وعدًا بالقضاء على أمراض رافقت البشرية لآلاف السنين. إنها أداة قوية بشكل لا يصدق، ولكن قوتها تتطلب حكمة ومسؤولية استثنائية في استخدامها. 

وبينما يمضي العلماء قدمًا في استكشاف إمكانياتها العلاجية، يجب أن يسير النقاش المجتمعي، والأخلاقي جنبًا إلى جنب مع التقدم العلمي لضمان أن هذه الثورة الجينية تخدم الإنسانية جمعاء، وترسم مستقبلًا أكثر صحة، وعدلًا للجميع.

:References

https://www.fda.gov/news-events/press-announcements/fda-approves-first-gene-therapies-treat-patients-sickle-cell-disease

https://www.nature.com/articles/s41392-023-01309-7

https://www.nejm.org/doi/full/10.1056/NEJMoa2029392

https://www.runtogen.com/category/gene-editing-cell-lines/knockout-cell-lines/?gad_source=1&gad_campaignid=22554322054&gbraid=0AAAAA-ejHOt87xKLgZ0zIafK52Sikcvfy&gclid=Cj0KCQjwrc7GBhCfARIsAHGcW5VefVOPNtIOoKEcFFYk2epmzKje1r-CEL8a2LGUGeuacT3pvrslLBIaApKfEALw_wcB

https://www.nature.com/articles/d41586-019-00673-1

What do you think?

Written by سمر موسى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

GIPHY App Key not set. Please check settings

الحصبة مرض قديم لا يزال يهدد صحة الأطفال

تعرف علي فيروس الروتا… وأثره على صحة الأطفال