الأسباب، والعوامل المؤثرة، وطرق الوقاية
يعدّ تسوس الأسنان لدى الأطفال من أكثر المشكلات الصحية شيوعًا في مرحلة الطفولة المبكرة، حيث تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من الأطفال حول العالم يعانون من شكل من أشكال التسوس قبل بلوغ سن المدرسة. هذه المشكلة لا تؤثر فقط على صحة الفم والأسنان، بل قد تمتد آثارها إلى التغذية، والنطق، وحتى الحالة النفسية. يعرف التسوس بأنه عملية تدمير تدريجي لطبقة المينا الصلبة التي تغطي الأسنان، نتيجة تفاعل البكتيريا مع بقايا الطعام، خاصة السكريات، ما يؤدي إلى إنتاج أحماض تُضعف بنية السن. ونستعرض في هذا المقال أهم العوامل التي تسبب تسوس أسنان الأطفال، ومضاعفات التسوس، وطرق العلاج، وطرق الوقاية الممكنة.
متى يبدأ التسوس عند الأطفال؟
يمكن أن يبدأ تسوس الأسنان عند الأطفال في وقت مبكر جدًا، حتى قبل عمر السنتين، ويُعرف حينها بـ تسوس الطفولة المبكرة (Early Childhood Caries). وغالبًا ما يظهر التسوس أولًا على الأسنان الأمامية العلوية، ثم ينتقل تدريجيًا إلى الأسنان الأخرى.
ويبدأ التسوس نتيجة عدة عوامل، منها:
العوامل البيئية، تلعب دورًا حاسمًا في تسوس أسنان الأطفال، وأهمها:
- نظافة الفم: قلة العناية بتنظيف الأسنان واللثة تسهّل تراكم البلاك (طبقة لزجة من البكتيريا)، ما يسرع عملية التسوس.
- المياه ومصادر الفلورايد: نقص الفلوريد في مياه الشرب أو معجون الأسنان يقلل من قدرة الأسنان على مقاومة الأحماض، مما يزيد خطر التسوس.
- الوضع الاجتماعي والاقتصادي: الأطفال في الأسر ذات الدخل المنخفض غالبًا ما يفتقرون إلى التوعية والعناية الصحية المنتظمة، مما يضاعف احتمال الإصابة بالتسوس.
- العادات الغذائية: مثل استهلاك الوجبات السريعة، والحلويات، والمشروبات الغازية، تسهم في زيادة الإصابة بالتسوس.
العوامل الوراثية: على الرغم من أن تسوس الأسنان مرتبط إلى حد كبير بالعادات والسلوكيات، إلا أن العوامل الوراثية تلعب دورًا مهمًا في تحديد مدى قابلية الطفل للإصابة به، ومن أمثلتها:
تركيب المينا: قد يولد بعض الأطفال بطبقة مينا أقل كثافة أو أكثر مسامية، ما يجعل الأسنان أضعف أمام الأحماض.
تكوين اللعاب: يحتوي اللعاب على معادن وإنزيمات تحمي الأسنان، واختلاف جودته وكميته قد يكون مرتبطًا بالعوامل الجينية.
شكل الأسنان والفكين: الأسنان المتقاربة أو الفكين غير المنتظمين قد تخلق مناطق يصعب تنظيفها، فتكون عرضة لتراكم البكتيريا.
الاستجابة المناعية: الاستعداد الوراثي الذي يسبب استجابات مناعية ضعيفة، قد يزيد من تأثير البكتيريا المسببة للتسوس.
مضاعفات تسوس الأسنان عند الأطفال
عند إهمال التسوس في مرحلة الطفولة، يمكن أن تنشأ مجموعة من المضاعفات تشمل صحة الفم والجسم ككل، ومنها:
اعوجاج الأسنان وسوء الإطباق:
يؤدي التسوس الشديد إلى فقدان الأسنان اللبنية مبكرًا، مما يترك فراغات في الفك. هذه الفراغات قد تسمح للأسنان المجاورة بالتحرك من أماكنها الطبيعية، مؤديةً إلى تغير في محاذاة الأسنان واضطراب في الإطباق عند بزوغ الأسنان الدائمة.
مشاكل النطق:
تلعب الأسنان الأمامية، خاصة العلوية، دورًا أساسيًا في نطق بعض الأصوات مثل “س” و”ث”. وفقدان هذه الأسنان أو تآكلها بسبب التسوس يغير مسار خروج الهواء أثناء الكلام، ما يسبب صعوبات أو تشوهات في النطق.
التأثير على الأسنان الدائمة:
حيث أن جذور الأسنان اللبنية قريبة جدًا من براعم الأسنان الدائمة النامية في الفك. وعند وصول التسوس إلى مراحل متقدمة مسببًا التهابًا أو خراجًا، يمكن للبكتيريا أو الالتهاب أن يؤثر مباشرة في هذه البراعم، مؤديًا إلى تشوه شكل الأسنان الدائمة أو ضعف ميناها.
التأثير على الصحة العامة:
يعد تسوس الأسنان المتقدم مصدرًا مزمنًا للعدوى البكتيرية، والتي قد تنتقل عبر مجرى الدم مسببة مشكلات صحية مثل التهاب الشغاف القلبي في الحالات النادرة أو تفاقم أمراض مزمنة. كما أن الألم المزمن الناتج عن التسوس يمكن أن يضعف الشهية وبالتالي يضعف النمو الجسدي.
طرق علاج تسوس الأسنان عند الأطفال:
يعتمد علاج تسوس الأسنان على مرحلة تقدم الإصابة ودرجة تأثر أنسجة السن، ومن طرق العلاج ما يلي:
العلاج التحفظي (المرحلة المبكرة):
ويكون عند اكتشاف التسوس في بدايته، قبل حدوث تجويف عميق، يمكن للطبيب استخدام علاجات إعادة التمعدن مثل طلاء الفلوريد لتعزيز صلابة المينا ووقف تقدم التسوس.
الحشو (Restorations):
إذا وصل التسوس إلى طبقة العاج وأحدث تجويفًا، تتم إزالة الأنسجة المتسوسة، ثم يُملأ التجويف بمواد حشو مثل الكومبوزيت.
العلاج اللبّي (Pulp Therapy):
إذا امتد التسوس إلى لب السن (العصب)، يمكن إجراء علاج لبّي جزئي أو كامل، مثل البَـلْبُوتُومِي (Pulpotomy) أو البَـلْبِكْتُومِي (Pulpectomy).
التلبيسات (Crowns):
في الحالات التي يكون فيها جزء كبير من السن مفقودًا بسبب التسوس، قد يضع الطبيب تلبيسة ستانلس ستيل للأطفال لحماية السن واستعادة وظيفته حتى سقوطه الطبيعي.
متى يلجأ الطبيب إلى الخلع؟
الخلع هو الخيار الأخير، ويتم اللجوء إليه في حالة تدمير شديد لبنية السن حيث يكون الترميم أو التلبيس غير ممكن. أو في حالة التهابات وخراجات مزمنة تهدد الأنسجة المحيطة أو تسبب تورمًا مؤلمًا، أو تؤدى إلى تلف الأسنان الدائمة النامية أسفلها.
وفي حالة الخلع المبكر، قد يستخدم الطبيب حافظ مسافة (Space Maintainer) لمنع انزياح الأسنان المجاورة والحفاظ على مكان بزوغ الأسنان الدائمة.
الوقاية من تسوس الأسنان:
تعتمد طرق الوقاية على مزيج من العادات الصحية والتدخلات الوقائية، منها:
التنظيف المبكر والمنتظم:
- البدء بتنظيف لثة الطفل منذ الأشهر الأولى باستخدام قطعة قماش نظيفة مبللة.
- عند بزوغ أول سن، يُستخدم فرشاة أسنان صغيرة ومعجون يحتوي على فلورايد بكمية مناسبة (حجم حبة الأرز للأطفال أقل من 3 سنوات، وحجم حبة البازلاء للأطفال الأكبر).
التقليل من السكريات:
الحد من استهلاك الأطعمة والمشروبات السكرية، خاصة بين الوجبات.
تجنب الرضاعة الليلية المطوّلة:
عدم ترك زجاجة الحليب أو العصير في فم الطفل أثناء النوم، حيث يقل إفراز اللعاب ويزداد خطر التسوس.
الفحص الدوري:
زيارة طبيب الأسنان مرة كل 6 أشهر لاكتشاف أي مشاكل مبكرًا.
دور الطعام في حدوث التسوس:
يعد النظام الغذائي من أكبر العوامل المؤثرة في صحة أسنان الأطفال، سواء في التسبب في التسوس أو الوقاية منه. ومن أهم الأطعمة المسببة للتسوس ما يلي:
السكريات البسيطة: مثل الحلوى، الشوكولاته، البسكويت، والعصائر المحلاة. هذه الأطعمة توفر غذاءً سريعًا للبكتيريا لإنتاج الأحماض.
الكربوهيدرات المكررة: كالخبز الأبيض ورقائق البطاطس، التي تتحلل سريعًا إلى سكريات في الفم.
الأطعمة اللزجة: مثل الكراميل والمربى، التي تلتصق بالأسنان لفترات طويلة.
ومن الأطعمة التي تساعد على حماية الأسنان من التسوس ما يلي:
الخضروات والفواكه الطازجة: مثل الجزر والتفاح، التي تحفز إفراز اللعاب وتساعد على تنظيف الأسنان.
الألبان ومنتجاتها: تحتوي على الكالسيوم والفوسفور الضروريين لإعادة تمعدن المينا.
المكسرات: توفر معادن وبروتينات تقوي الأسنان.
وكذلك يجب الانتباه أن طريقة الأكل، والسلوك الغذائي له أثر بالغ في الحد من التسوس، ومن أمثلة ذلك:
- تناول السكريات على دفعات متباعدة أفضل من استهلاكها باستمرار خلال اليوم، لأن الفم يحتاج وقتًا ليعادل أحماض البكتريا.
- شرب الماء بعد الوجبات يساعد على غسل بقايا الطعام وتقليل حموضة الفم.
- مضغ الأطعمة الصلبة والألياف يحفز إنتاج اللعاب، وهو خط الدفاع الأول ضد أحماض البكتريا.
المصادر:
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/sugars-and-dental-caries
https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/10946-cavities
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK551699
https://www.healthline.com/find-care/articles/dentists/tooth-cavities
https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/cavities/symptoms-causes/syc-20352892
https://www.cdc.gov/oral-health/about/cavities-tooth-decay.htm
GIPHY App Key not set. Please check settings